يعني هذا المبدأ أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني ،أي مصدر الصفة غير المشروعة للفعل هو نص القانون ويقال لهذا النص "نص التجريم"،وهو في نظر القانون الجزائي يشمل قانون العقوبات والقوانين المكملة له والقوانين الجزائية الخاصة ،وبالتالي يحدد في كل نص الشروط التي يتطلبها في الفعل كي يخضع لهذا النص ويستمد منه الصفة غير المشروعة ويحدد العقوبة المقررة لهذا الفعل وبالتالي فإن القاضي لا يستطيعأن يعتبر فعلا معنيًا جريمة إلا إذا وجد نصًا يجرم هذا الفعل فإذا لم يجد مثل هذا النص فلا سبيل إلى اعتبار الفعل جريمة ولو اقتنع بأنه مناقض للعدالة أو الأخلاق أو الدين.
و أساس هذا المبدأ هو حماية الفرد و ضمان حقوقه و حريته و ذلك بمنع السلطات العامة من اتخاذ أي إجراء بحقه ما لم يكن قد ارتكب فعلا ينص القانون عليه و فرض على مرتكبيه عقوبة جزائية.
إلا أن هناك عدة حالات في قوانين التشريع المغربي تأثر سلبا على مبدأ شرعية الجرائم من بينها حالة عدم التناغم.
سوف نتطرق لأحكام النصين 468 من ق ج و قانون 31 ق ح م في ظل فكرة التناغم بين القوانين وذلك بتفسيرهما في النقطة الأولى وإبراز فكرة عدم التناغم في النقطة الثانية.
النقطة الأول: تفسير النصين:
1- الفصل 468 من ق ج
من خلال قراءتنا للفصل 468 من ق ج نجد أن المشرع يعاقب على جنحة عدم التصريح بالولادة داخل الأجل القانوني في الحالات التي يكون فيها التصريح واجبا.
عناصر الجريمة:
- صفة شخص الجاني: الأب وعند عدم وجوده الطبيبة أو الحكيمة أو القابلة أو أي شخص حضر الولادة.
- حالات التصريح الواجب: منصوص عليها في قانون ح م.
- الفعل المادي للجريمة: بمجرد تحقق الفعل تتكون الجريمة دون تحقق أي نتيجة وهذا النوع من الجرائم يصنف في إطار الجرائم الشكلية.
2- المادة 31 من ق ح م
الجريمة: عدم التصريح بالولادة أو الوفاة داخل الآجال القانوني، - عدم التصريح بالوفاة لا يعنينا في هذا الموضوع – صنف المشرع في هذه الجريمة في إطار المخالفات.
عناصر الجريمة:
- صفة الشخص حسب المادة شخص الجاني يتمثل في الأب والأم، واصي الأب، الأخ، وابن الأخ.
- ونفس الأمر بالنسبة لهذه المادة يتحقق افعل الجرمي بالإغفال عن التصريح بالازدياد داخل الأجل المحدد قانونا دون انتظار أية نتيجة.
النقطة الثانية: ابراز فكرة عدم التناغم وأثره على مبدأ الشرعية:
من خلال استقرائنا للنصين تطرح لدينا مجموعة من الإشكالات:
- هل يمكن تطبيق فكرة الإلغاء الضمني؟ أن نكتفي بالقانون الجديد و تستغني عن القانون القديم؟
- في الفصل 468 وعند عدم وجود الأب هل بمكن تطبيق مقتضيات المادة 31 على احد الأشخاص المذكورين في الفصل؟ وبمفهوم المخالفة تطبيق مقتضيات الفصل 468 على أحد الأشخاص المعنيين المادة 31؟
- تم في حالة ارتكاب الجرم ما هو الجزاء المقرر؟ وهل يمكن تطبيق فكرة القانون الأصلح للمتهم؟
إن فكرة الإلغاء لا جدوى منها في هذه الحالة على اعتبار أن نص قانون الحالة المدنية لم ينسخ نص القانون الجنائي، ولو أنهما يتفقان من حيث الفعل الجرمي، يختلفان من حيث العناصر الأخرى.
أما الإشكال الثاني نرى أنه لا يمكن إسقاط المادة 31 على الأشخاص المذكورين في الفصل 468 من ق ج، ولو أن هذا الأخير عمم الأشخاص في ذكره " أو أي شخص حضر الولادة" لأن المادة 31 حددت الأشخاص المعنيين طبقا للمادة 16 من ق ح م باستثناء الأب.
أما بالنسبة الإشكال الأخير بالرغم من أن افعل الجرمي المرتكب وهو واحد ولكن تغيير درجته بين النصين، النص 31 يصنفه في إطار المخالفات حيث عاقب على الفعل فقط بغرامة تصل الى 1200 درهم أما قانون 468 من ق ج فقد أدرجه في خانة الجنح اذ عاقب عليه بالحبس من شهر إلى شهرين، وغرامة تصل إلى 200 درهم، لا يمكن إعمال فكرة القانون الأصلح للمتهم لاختلاف الأشخاص كما قلنا، أما في حالة ارتكاب الفعل من طرف الأب أرى انه يمكن إعمال العقاب الأصلح له خاصة وأن الجريمة لا تعدو أن تكون إغفالا عن التصريح بالازدياد داخل الأجل القانوني.
يتبين من خلال هذه الإشكالات وجود حالة عدم التناغم بين النصين وبالتالي المشرع لم يلتزم بحدود مبدأ شرعية الجرائم.
تجربة أخرى
ردحذف